"الديبلوماسية الرياضية".. قوة ناعمة للمغرب لخدمة مصالحه العليا داخل الاتحادات القارية والدولية
جدل كبير ذلك الذي يرافق تموقع المغرب كقوة رياضية ناعمة داخل المنتظمين القاري والدولي، سواء عبر كرة القدم باعتبارها الأكثر شعبية عبر العالم أو من خلال التمثيلية البارزة في رياضات أخرى خارج دائرة الضوء، ما دفع البعض لتناول الموضوع، إعلاميا بالخصوص، كما هو حال بعض "البلاطوهات" التلفزيونية لدى دول الجوار، مثل الجزائر وتونس ومصر.
ارتقاء المغرب إلى أعلى هرم التسيير الرياضي، وإن كان يبدو في ظاهره أمرا طبيعيا، نظرا للمسار الطويل الذي قطعه، إلا أنه في الأساس ثمرة للعمل المبذول على مستوى السياسة الخارجية للدولة، كما أنه امتداد لإشعاع المملكة وخدمة قضاياها الكبرى، عبر تقوية الحضور المغربي داخل سلطة القرار الرياضي قاريا ودوليا، أو ما يصطلح عليه بـ"الديبلوماسية الرياضية".
الاستثمار في "البروفايل" الناجح
من بين المداخل التي ارتكزت عليها سياسة المغرب، الاستثمار في "البروفايل" الناجح لرئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، الأخير الذي، على مدار ثمان سنوات، نجح في تنفيذ جزء كبير من المسؤوليات المنوطة به، بداية بخدمة كرة القدم الوطنية كمسؤول أول على رأس جامعتها، ثم الانتقال إلى تطوير وعصرنة المنظومة، موازاة مع اشتغاله كرجل دولة خادم لمصالحها الخارجية.
دخول لقجع القوي إلى الساحة الكروية، تزامن مع حصول المغرب على شرف تنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا 2015، في عهدة الرئيس الكاميروني عيسى حياتو، قبل أن تتدخل الحكومة المغربية لرفض استضافة التظاهرة بسبب انتشار وباء "إيبولا"، ما ترتب عنه عقوبات من لدن الكونفدرالية الإفريقية للعبة تجاه الكرة المغربية.
اقنتع لقجع حينها أنه في مواجهة صدامية مع منظومة "فاسدة" عمرت لسنوات بمقر العاصمة المصرية القاهرة، لكن سرعان ما بدأ البساط الأحمر يسحب منها، بعد أن تولى الملغاشي أحمد أحمد، رئاسة الجهاز الكروي، في مارس 2017، تاريخ بداية عهد جديد للكرة الإفريقية، بحضور المغرب ممثلا في أعلى الهرم التسييري.
خلال ولايته، اتخذ أحمد أحمد من المغرب قبلة مفضلة ولم يكن لقجع نائبا ثانيا فقط، وإنما رجل الثقة داخل الـCAF والصديق المقرب، ما جعل الرباط تستأثر بالاهتمام وتغير معالم خارطة مرسومة منذ عام 1957 عندما قرر السوداني عبد الحليم محمد تأسيس اتحاد قاري لكرة القدم، ترأسه المصري محمد عبد العزيز مصطفى لأزيد من عشر سنوات.
علاقة "رابح-رابح" التي ربطت الملغاشي أحمد أحمد بالمسؤول المغربي، وإن مرت بعواصف عدة، أشهرها قضية "نهائي رادس" في سنة 2019، والنهائي الإفريقي الذي جمع الترجي التونسي بالوداد الرياضي، إلا أن لقجع خرج منها بأقل الأضرار، كما كان اسمه ظل في منأى عن شبهات الفساد التي لاحقت أعضاء الكونفدرالية ورئيسهم أحمد أحمد.
لقجع يدفع لتعديل النظام الأساس للـ CAF حفاظا على مصالح المغرب
حتى بعد نهاية ولاية الملغاشي أحمد أحمد على رأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، حرص لقجع على ضمان استمراريته في مراكز القرار، صونا للمكتسبات التي تحققت في السابق، حيث كان مهندس "بروتوكول الرباط" الذي مهد الطريق للجنوب إفريقي باتريس موتسيبي من أجل تولي رئاسة الـ"كاف" في إطار توافقات فندق "سوفيتيل".
خادم الدولة المغربية، لم يهنأ له بال إلا بعد تعديل أحد البنود الحساسة في النظام الأساسي للجهاز الكروي القاري، المتعلقة بشروط عضوية هذا الأخير، إذ صادقت الجمعية العمومية الـ43، المنعقدة بالعاصمة المغربية، في مارس من العام الماضي، على ربط الانخراط داخل منظومة الـCAF بالعضوية داخل منظمة الأمم المتحدة.
في ظاهره، كان يبدو تعديلا عاديا كما ذلك الذي يهم الرفع من عدد نواب رئيس، حيث مر بسلاسة، بعد التصويت عليه بالإجماع، أمام أنظار الجزائر وجنوب إفريقيا، رغم أن تفاصيله التي توصل بها أعضاء الجمعية العمومية، تحمل في طياتها دلالات سياسية أكثر منها رياضية، إذ أن "مهندس" الاقتراح صد الباب، ضمنيا، أمام جمهورية وهمية مثل "البوليساريو"، على سبيل الذكر وليس الحصر، من أجل الانخراط ضمن عضوية الـCAF.
فوزي لقجع، حقق حينئذ انتصارا للدبلوماسية المغربية، عن طريق المنتظم الكروي القاري، كما أنه ترك انطباعا أن الأمور ما زالت "تحت السيطرة"، رغم نهاية عهد "صديقه" أحمد أحمد وبداية جيل جديد، بقيادة الجنوب إفريقي موتسيبي، الأخير الذي كان صعوده للتربع على عرش الكرة الإفريقية، لا يبعث بالاطمئنان، خاصة في ظل العداء "السياسي- الرياضي" بين بريتوريا والرباط.
حنكة رئيس جامعة الكرة في تدبير الأمور وتغليب المصلحة العليا للمغرب، جعلاه، يشرف شخصيا على المرحلة الانتقالية بين أحمد أحمد وموتسيبي، وفق "بروتوكول الرباط"، بمباركة جياني انفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي "فيفا"، الأخير الذي أسند مهمة "توحيد الكرة الإفريقية" إلى فوزي لقجع، فتحولت محطة انتخابات 12 مارس، إلى توزيع للأدوار والمسؤوليات، بعيدا عن صنادق الاقتراع وفرز الأصوات.
لقجع، وبعد أن أنجح محطة الجمعية العمومية الثالثة والأربعين، التي احتضنتها الرباط، اعتذر عن تولي مهام النائب الرابع لرئيس الـCAF الجديد، ليخرج من "الباب الكبير" ويحتفظ بمكتسب عضوية مجلس الـ FIFA، تاركا الأصدقاء كما الأعداء يقفون للتصفيق على المسؤول الرياضي المغربي وكيفية إدارته.
لقاء "الثالوث القوي" قبل أسابيع بالمغرب، بمناسبة استضافة الدار البيضاء لنهائي دوري أبطال إفريقيا لكرة القدم، ليس صدفة صداقات عابرة بين مسؤولين عاديين في مجال التسيير، وإنما تكريس للدور الذي أضحى يلعبه لقجع وسط المنظومة ككل، منذ أن بدأ المغرب يغرس جذوره، بداية بنجاح محطتي كأس العالم للأندية 2013 و2014، مرورا بترشح المغرب ل"كان 2015"، وصولا إلى مشاريع تنظيم نهائيات كأس العالم 2026 ثم 2030، الملف الأخير الذي يحظى بدعم السويسري جياني انفانتينو رئيس "فيفا".
لم يكن لقجع ليكون مسؤولا كرويا قويا، على الصعيدين القاري والدولي، دون خدمة القاعدة المحلية، وما نموذج فريقه نهضة بركان، الذي تحول من الممارسة في تربة ملاعب الهواة إلى نادي قوي يحصد لقبين على مستوى كأس الكونفدرالية، موازاة مع تتويجات الوداد الرجاء، خلال السنوات الست الأخيرة.
تطوير الرياضة خدمة لإشعاع المملكة
كرة القدم النسوية التي أضحت في صلب اهتمامات الـ FIFA منذ تولي انفانتينو الرئاسة، حظيت بنفس القدر من الاهتمام، على الصعيد الوطني، حتى أنها أضحت جزء لا يتجزء من المنظومة الكروية المغربية، رصدت لها ميزانية ضخمة وإمكانيات بشرية ولوجستيكية، بدأت تظهر ثماره مع تحقيق منتخب أقل من 17 سنة للتأهل إلى نهائيات كأس العالم، في انتظار إنجاز منتخب الكبيرات خلال بطولة أمم إفريقيا التي يستضيفها المغرب، خلال الشهر القادم.
وإن كان الأغلبية يرون في فوزي لقجع قائد "الديبلوماسية الرياضية" في المغرب، إلا أن المملكة استطاعت، بفضل التوجيهات الملكية والسياسة الحكيمة لوزارة الخارجية، بقيادة نصار بوريطة، قطع أشواط مهمة، بالاعتماد على كفاءات نشيطة بمختلف التمثيليات الرياضية، لضمان الحضور والقطع مع مبدأ "الكرسي الفارغ"، كما كان لما قررت الرباط الدخول لمنظمة الاتحاد الإفريقي، بعد سنوات من القطيعة.
التوغل في المنظمات الإفريقية والدولية
في دجنبر من العام الماضي، أعلن اتحاد اللجان الأولمبية الإفريقية "ANOCA"، تعيين كل من بشرى حجيج وكمال لحلو، رئيسة الجامعة الملكية المغربية لكرة الطائرة ورئيس الجامعة الملكية المغربية لرفع الأثقال، لرئاسة وعضوية اللجان الفرعية الدائمة ضمن الجهاز الأولمبي القاري.
بشرى حجيج، التي تشغل منصب رئيسة الكونفدرالية الإفريقية لكرة الطائرة، تمكنت من تحويل مقر الاتحاد إلى العاصمة الرباط وسحب البساط من المصريين، في إشارة قوية على بداية عهد جديد لهذا الصنف الرياضي، قاريا بالخصوص، عبر جعل العاصمة المغربية محور تلاقي دور القارة الإفريقية لخدمة الـ Voleyball كرياضة أولمبية.
عبد الجواد بلحاج في رياضة الملاكمة، فؤاد مسكوت في رياضة المصارعة، محمد بلماحي في رياضة الدراجات، ادريس الهيلالي في رياضة التايكواندو، يوسف فاتيحي في رياضة المسايفة، كلها أسماء حظيت بتمثيلية ضمن الاتحادات الدولية لرياضاتها، خلال السنوات الأخيرة، ما يكرس الحضور المغربي في صلب مراكز القرار.
هذا الحضور المغربي، بصفته الرياضية، يحمل في طياته، أيضا، دلالات سياسية كبيرة ضمن المنتظم الرياضي الدولي، في إطار شبكة العلاقات التي ينسجها المسؤولون المغاربة، وذلك بتنسيق دائم مع وزارة الشؤون الخارجية، التي تنخرط منذ سنوات، في إطار الديبلوماسية الرياضية الموازية، حفاظا على مصالح المغرب وصونا لقضاياه الكبرى، في مقدمتها قضية الصحراء المغربية.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :